الآيتان الأولى والثانية:{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}.{لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}: بدل من الموصول بدل اشتمال.{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}: يقال أقسط إلى الرجل إذا عاملته بالعدل.قال الزجاج: المعنى وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد.{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)}: أي العادلين. ومعنى الآية أن اللّه سبحانه لا ينهى عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال، وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم، ولا ينهى عن معاملتهم.قال ابن زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال ثم نسخ.قال قتادة: نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].وقيل: هذا الحكم كان ثابتا في الصلح بين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبين قريش فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم.وقيل: هي خاصة في خلفاء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن.قال الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة.وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا.وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان.وحكى القرطبي عن أكثر أهل التأويل أنها محكمة.ثم بيّن سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته، فقال: {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ}: وهم صناديد الكفر من قريش.{وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ}: أي عاونوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم.{أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}: أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدوا للّه ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياءهم.